الأزمة المصرية: أسلحة الجولة الأخيرة
الصور القادمة من مصر توحي بأن المعركة بين نظام الرئيس حسني مبارك والمحتجين قد دخلت مرحلتها الأخيرة بالفعل، وأن كل طرف يحاول أن يكسب كل شيء.
فقد قدم مبارك خلال خطابه الثاني، مزيدا من التنازلات منها عدم اعتزامه الترشح ثانية، وتعديل المادتين 76 و77 من الدستور المصري المتعلقتين بالترشح للانتخابات الرئاسية وفترات الرئاسة.
لكن مبارك، الذي بُث خطابه الثاني مثل الأول، في وقت متأخر من الليل، أظهر بوضوح أن هذا هو آخر التنازلات وألقى الكرة في ملعب المعارضة.
المعارضة الفعلية على الأرض، وهم المحتجون والمشاركون في المظاهرات، رفضوا الخطاب، لأنه لا يلبي فكرة التغيير الفعلي، وفي رأيهم أن خطاب مبارك خلا من الإشارة لصلاحيات الرئيس والحزب الحاكم، وحل البرلمان بمجلسيه، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تفتح الطريق للتغيير، لكن المعارضة التقليدية (أحزاب الوفد والتجمع والناصري) التي يعتبرها المحتجون الشباب، جزءا من النظام بمفهومه الاوسع، سارعت للترحيب بعرض مبارك.
على الأرض، كان النظام يستعد لهجوم معاكس، وقبل ساعات من إطلاق الخطاب، معتمدا على سلاحين: ترسانته الإعلامية، والحزب الحاكم.
فالتليفزيون الرسمي وقنوات خاصة مثل المحور ودريم والحياة(يملكها رجال أعمال لهم مصالح عضوية مع النظام) بدأت خطابا وجدانيا، لدرجة أن بعض مقدمي البرامج كانوا يبكون على الهواء من جحود البعض لشخص الرئيس، واستعراض صور المؤيدين لمبارك الذين احتشدوا آخر الليل في شارع الكورنيش قبالة مبنى التليفزيون (كان أول مبنى يحرسه الجيش بعد انسحاب الشرطة)، مع عدم الإشارة للمعارضين في ميدان التحرير.
لم يكن خافيا أيضا أن رموز الحزب الوطني بدأت في التواصل مع قواعده لحشد المظاهرة المؤيدة التي انطلقت في منطقة المهندسين استعدادا لمعركة تكسير العظام التي سيشهدها ميدان التحرير.
وهنا أيضا ينبغي عدم اختزال جميع مؤيدي الرئيس مبارك بانهم من المأجورين، فحقيقة الأمر، أن نظام الحزب الوطني رغم عدم اعتماده أية أيدلوجية سياسية على مدى عقود، فإنه اعتمد على آلة واسعة من الأعضاء والأنصار وأصحاب الأعمال والصحفيين الذين سوف يخسرون مواقعهم لو حدث تغير جذري في هيكلية الحكم، ومن ثم هم يدافعون حاليا ومستقبلا عن مواقعهم.
كما ان مؤسسات الدولة كانت في صباح الأربعاء قد استعدت لإعادة الأمور إلى طبيعتها ، فقد بدأت وسائل النقل العام بالقاهرة في العمل، وحدد البنك المركزي موعدا نهائيا لفتح البنوك، وطالب الجيش المتظاهرين بممارسة حياتهم الطبيعية.
واصرت الخارجية المصرية، التي تحدثت للمرة الاولى منذ الازمة، على رفض الضغوط الخارجية وتحديدا ما أكده الرئيس الأمريكي، من ضرورة البدء الفوري، لانتقال السلطة والإصلاح.
المعارضة
في مقابل الهجوم المعاكس من انصار النظام كانت المعارضة تكتفي برد الهجمات، فعليا ومجازيا، فحينما اتصلت صباحا بعدد من المحتجين قالوا لي أنهم في منازلهم لاخذ قسط من الراحة بعد المظاهرة "المليونية" وهي الفترة التي بدأت فيها مظاهرة التأييد في الزحف على ميدان التحرير.
رسالة المعارضة الميدانية لم تصل كاملة للجمهور بعدما احتكر النظام وسائل الإعلام الرسمية وحجب قناة الجزيرة فيما تعرضت قنوات أخرى للتضييق واعتداءات، و بدأت اتجاهات العمالة والتخوين للمتظاهرين تظهر على ألسنة بعض الصحفيين الذين كانوا قبل يومين يؤيدون التظاهرات، وهو ما يؤثر بشكل ما على معنويات المحتجين.
حتى الدعوات المعتدلة لحل وسط قدمته لجنة من الحكماء اجتمعت صباح الأربعاء واتفقت بالدعوة لكي يتولى عمر سليمان المسؤولية التنفيذية، ويظل مبارك رئيسا شرفيا، وحل البرلمان وتشكيل حكومة وطنية للاشراف على وضع دستور جديد، لم تجد طريقها إلى الإعلام رغم أن إعلانها جاء على لسان شخصيتين مقبولتين شعبيتين هما المفكر أحمد كمال أبو المجد، و رجل الأعمال المعروف نجيب ساويرس.
لكن غياب المعارضة في الإعلام الداخلي لم يمنع الدكتور محمد البرادعي من التحدث وربما رسميا للمرة الأولى، باسم المعارضة في اتصالات دولية تلقاها من رؤساء حكومات ووزراء في دول اجنبية مشددا على أن تنحي مبارك هو الحل الوحيد.
Commentaires
Enregistrer un commentaire